السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من خطب الشيخ العلامة محمد بن صالح بن العثيمين الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الصباح وأنور، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة،قال أهل العلم: وإذا مات الإنسان فإنه ينبغي لمن حضره أن يُغمض عينيه؛ لأن عينيه سوف تشخص، فإن الإنسان إذا قُبِض فإن البصر يتبع روحه يشاهدها، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِى سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ – أي: قد شخص- فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ"(4)، دعا بهذه الدعوات الخمس العظيمة فسمعه أهل البيت فخافوا أن صاحبهم قد مات فضجوا فقال النبي الله عليه وعلى آله وسلم: "لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ" وكانوا في الجاهلية إذا مات الميت دعوا على أنفسهم بالويل والثبور، فخاف النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يدعوا أهل أبي سلمة بهذا، فأرشدهم إلى أن يدعوا بالخير؛ ولذلك ينبغي للإنسان إذا أُصيب بمصيبة وإن عظمت أن يقول: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا". أعود إلى دعوات النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لأبي سلمة، فإن النبي - صلى لله عليه وسلم - دعا له بخمس، أما الخامسة: فقد شوهدت في الدنيا، فإن أم سلمة - رضي الله عنها - لما تمت عدتها تزوجها النبي - صلى الله عليه على آله وسلم - واعتبروا بهذه القصة: إن أم سلمة - رضي لله عنها - قد سمعت النبي - صلى وعلى آله وسلم - يقول: من أصيب بمصيبة فقال: "اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا" آجره الله عليها وأخلف له خيراً منها فقالت - رضي الله عنها - ذلك إيماناً بقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولكنها تُفكر وتقول: مَنْ خير من أبي سلمة؟ فكان الذي أتاها محمد صلى الله عليه وسلم وهو خير من أبي سلمة، بل هو سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، وكان أولادها كانوا في حِجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخلف الله أبا سلمة في عقبه وكان عقبه تحت حضانة النبي - صلى الله عليه وسلم – ورعايته، أما الأربع الأخرى فإننا نرجو الله - تعالى - أنه حققها لأبي سلمة - رضي الله عنه -، المهم: أن من عاد المريض وهو محتضر فإنه يلقنه الشهادة كما سبق في الجمعة الماضية، ويُغمض عينيه، قال العلماء ويُلَيِنُ مفاصله بحيث يَرد ساقيه إلى فخذيه، وفخذيه إلى بطنه عدة مرات، وكذلك ذراعيه إلى عضديه، وعضديه إلى جنبيه، لتلِين مفاصله؛ حتى يكون ليناً عند تغسيله، ثم يُبادر بتجهيزه بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُنْ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ" والرجل إذا مات فإن روحه تقول: إذا كان صالحاً قدموني قدموني، أي: قدموني إلى موضع الثواب؛ لأن الإنسان في قبره يُفتح له إلى الجنة - جعلني الله وإياكم من هؤلاء -، وإن كانت سوى ذلك فإنها تقول: يا ويلها أين تذهبون بها - أحسن الله لي ولكم الخاتمة -، وإذا كان الميت يقول: قدموني قدموني، فإن الأولى بنا أن نقوم ببره، وأن نقوم بالإحسان إليه، وأن نسرع في تجهيزه؛ حتى يصل إلى ثوابه في جنات النعيم، ولا ينبغي أن يُحبس الإنسان عند أهله؛ لأنه ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث ضعيف. "لا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ". فبادروا رحمكم الله، بادروا بتجهيز الأموات ولا تؤخروها إلا أن يكون هناك سبب مثل أن يموت في الضحى ويخشى من المشقة على المشيعين إذا شيعوه في صلاة الظهر مثلاً فإنه يُؤَخر إلى صلاة العصر ولا بأس في ذلك؛ لأنه لو دُفن في الظهر في شدة الحر شقَّ ذلك على الناس مشقةً شديدة لذلك نقول: إذا مات في الضحى وكان في دفنه بعد صلاة الظهر مشقة فإنه لا بأس أن يُؤخر إلى أن يكون وقت صلاة العصر حيث تبرد الشمس والجو، وهذا تأخير أرجو الله - تعالى - ألا يكون فيه ضرر على الميت ولا على مشيعيه، فإن قال قائل: كيف تقولون بإسراع التجهيز وقد كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مات يوم الاثنين ولم يدفن إلا ليلة الأربعاء؟ فالجواب على ذلك: أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هو قائد الأمة ولا ينبغي أن يدفن حتى يقوم خليفته فيخلفه في أمته؛ ولذلك لمـَّا تمت البيعة لأبي بكر جهزوا للنبي - صلى الله عليه وسلم – ودفنوه، فالصحابة - رضي الله عنهم - خشوا أن تخلوا الأرض من إمام يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما تمت البيعة دفنوه، أما الحق السادس فهو: إذا مات فاتبعه، فينبغي للإنسان أن يتبع الجنائز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: "من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن - يعني: بعد الصلاة - فله قيراطان" قيل: يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين" أصغرهما مثل: جبل أحد، ولما بلغ ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا الحديث قال: والله لقد فرطنا في قراريط كثيرة، ولكن ينبغي لمن شيع الجنازة ألا يتحدث في شيءٍ من أمور الدنيا حال تشييعه؛ لأن المقام مقام عِظة وعبرة، بل يعتبر الإنسان في حاله وفي حال الميت الذي يشيعه الآن، فهذا الميت كان بالأمس على ظهر الأرض، بل ربما كان من أصح الناس في صباح يومه الذي مات فيه وإذا به يكون في بطن الأرض تُدركه الشمس في طلوعها ولا تُدركه في غروبها، فليتأمل الإنسان حال هذا الميت، ثم ليتأمل حاله نفسه فإنه كما كان اليوم حاملاً سيكون في الغد محمولاً، وكما كان اليوم مُشَيِعاً فسيكون في الغد مُشَيَعاً؛ ليعتبر في نفسه، وليعلم أن الدنيا ليست دار قرار، وأنها مرحلة إلى الآخرة، كما أن الجنين في بطن أمه ليس في مكان قرار ولكنه في مرحلة حتى يخرج إلى الدنيا دار العمل، ثم إلى الآخرة دار الجزاء، ومع ذلك فإنه في قبره ليس ذلك آخر مرحلة له، بل هناك مرحلة أخرى أعظم وأعظم، سمع أعرابي قارئاً يقرأ قول الله عز وجل: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر: 1-2]، فقال هذا الأعرابي: والله إن الزائر ليس بمقيم، والله إن وراء هذه المقابر لدار مقر، فاستنبط هذا الأعرابي من قوله تعالى: زرتم، أن الزائر لن يكون في محل إقامة وهو كذلك، وبهذا نعرف أن خطأ بعض الناس الذي يقول عمن مات إنه عاد إلى مثواه الأخير، إنها كلمة سيئة خطيرة جداً؛ لأننا لو أخذنا بمقتضاها لكان مقتضاها إنكار البعث، إذا جعلنا القبور هي المثوى الأخير، ولكن المثوى الأخير - حقيقة - هو الدار الآخرة، إما إلى جنة وإما إلى نار، أسأل الله - تعالى - أن يجعل مثواي ومثواكم جنات النعيم مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وينبغي للإنسان إذا تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع للدفن، ثم إذا دفنت فإنه يقف عليها بعد الدفن ويستغفر للميت يقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، ويسأل الله له التثبيت، يقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا دعا ثلاثاً، وكان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"، يسأل عن ماذا؟ يسأل عن ثلاثة أمور: عن ربه ودينه ونبيه، فإن كان مؤمناً ثبته الله - عز وجل - بالقول الثابت، وقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، اللهم ثبتنا على ذلك يا رب العالمين، اللهم ثبتنا على ذلك يا رب العالمين، أما إن كان منافقاً فإنه لم يصل الإيمان إلى قلبه، فيقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، نعوذ بالله من ذلك، اللهم أعذنا من ذلك يا رب العالمين، اللهم أعذنا من ذلك يا رب العالمين، اللهم أعذنا من ذلك يا رب العالمين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
دخول
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
من حقوق المسلم على أخيه المسلم هو اتباع الجنائز
التمساح- عضو مشارك
- عدد الرسائل : 164
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 19/02/2009
- مساهمة رقم 1
الجمعة 16 نوفمبر 2012 - 9:14 من طرف fox of love
» نحن...
الخميس 25 نوفمبر 2010 - 3:27 من طرف philoibra
» موقع نادر لترجمة الافلام الى جميع اللغات
الثلاثاء 6 يوليو 2010 - 10:13 من طرف Mazigh
» مسابقة ثقافية للجميع (لأول مرة بالنقط )
السبت 16 يناير 2010 - 6:19 من طرف yassine yassine
» اصعب شيئ في الحب
السبت 16 يناير 2010 - 6:07 من طرف yassine yassine
» قصيدة الحزن
الثلاثاء 5 يناير 2010 - 12:51 من طرف التمساح
» فتاة متبرجة ...وفتاة محجبة ..موضوع ساخن للنقاش
الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 - 12:23 من طرف Mazigh
» تدريب واختبار للشعر
الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 - 12:20 من طرف Mazigh
» وإذا خاطبهــم العروي الأفضل قالــوا سلامــا
الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 - 12:17 من طرف Mazigh